Quantcast
Channel: شبكة قدس الإخبارية »مكافحة التمرد
Viewing all articles
Browse latest Browse all 9

ما هي عقيدة مكافحة التمرد؟

0
0

تُعدّ عقيدة مكافحة التمرد عقيدة قديمة متجددة، وتأتي كمنقذ مهم وفاعل لأقوى الإمبراطوريات في العالم حينما تفشل الأساليب التقليدية في إخماد أعمال المقاومة أو الثورة التي تصطلح عادة على تسميتها “حركات التمرد”. هذه العقيدة مبنية بالأساس على مفاهيم استعمارية مصاحبة لحالات الحروب التي يفشل فيها التدخل العسكري بالأساليب الخشنة، ويكون من الواجب على الجيوش اتباع أساليب جديدة أكثر نعومة “القوى الناعمة” من أجل حسم المعركة.

غالولا ومكافحة التمرد

ليست عقيدة مكافحة التمرد وليدة القرن الحادي والعشرين، حيث شهد العالم حالات عديدة لها، أمثال: الجنرال الفرنسي “غالولا” الذي استخدم عقيدة مكافحة التمرد وطبقها في الجزائر لمكافحة وتقويض الثورة الجزائرية. واعتمد في أفكاره على كيفية صناعة العزل الجغرافي والبشري والتفكيك المرحلي لأماكن تواجد الثوار، وبذلك عزل الثوار عن حيزهم البشري المجتمعي، هذه العقيدة ظلّت طي النسيان، حتى ظهر الجنرال الأمريكي باترويس وأعاد إحياءها من أجل تقليل الخسائر المادية والعسكرية وحفظ ماء وجه الولايات المتحدة بعد ما منيت به من خسائر في مواجهاتها مع حركات المقاومة في العراق وأفغانستان.

الجنرال دايفيد باترويس ومكافحة التمرد

تعتمد العقيدة الجديدة على دمج العلوم المعرفية مع بعضها البعض، فهي توظف السياسة والاقتصاد وعلم الاجتماع والصحافة، كما تستفيد من المعرفة التكنولوجية وتطورها في كافة المجالات من أجل مكافحة حركات المقاومة. وهي عقيدة تبنى على صبغ العمل ذي الطابع العسكري بالطابع الإنساني، بذلك تعد وسيلة جديدة لعزل الحركات الثورية، أو المقاومة من خلال نشر فكرة شيطنة وتجريم حركات المقاومة داخل المجتمعات الحاضنة لها، وذلك من أجل إحداث ضربات نوعية بأقل خسائر ممكنة، وخاصة أن حروب الألفية الثالثة تعتمد على أشكال جديدة من محاربة الجيش المحتل، فجيش الدولة المحتلة ليست بصدد مواجهة جيوش نظامية، بل مواجهة جماعات متمردة – وهي ما يطلق عليه من قبل قوات الجيش النظامي “العصابات” التي لا يمكن توقع تحركاتها، أو حساب مدى خطرها.

david

استراتيجية مكافحة التمرد

تعتبر عقيد مكافحة التمرد عقيدة تفكيكة تعمل بطريقتين: أولها: العزل. وثانيها: تجنيد المجتمعات التي تكون خاضعة للاستعمار.

فهي في البداية تقوم بعزل وتفكيك المجتمعات عن الجماعات المتمردة “المقاومة” بأساليب مختلفة أهمها شيطنة وتجريم الأفعال التي يقوم بها الثوار على اعتبار أنها أعمال تخريبية. وتلجأ أيضاً إلى أساليب أخرى لتجنيد المجتمعات لتصبح قادرة على مساعدة المستعمر في عملية مكافحة حركات المقاومة، فهي تلجأ لما يسمى بالمساحات الخضراء “الآمنة” الخالية من الثوار “المتمردين” داخل المجتمعات المستعمرة.

ويتم ذلك بوسائل متنوعة أهمها استغلال أحدث ما توصلت له الأكاديميا والعلوم الإجتماعية من تقنيات ودراسات إحصائية في خدمة هذا الغرض، فيصبح المجتمع تحت السيطرة ومتعاون مع المستعمر، يقدم له المعلومات حول الثوار بطرق غير مباشرة.

إن أساليب العمالة والتخابر تعمل بطرق حديثة وذات صبغات حداثية استعمارية قائمة على أسس تفكيكية، كما أنها في سياسات العزل تعمل بطريقة المراحل فهي تبدأ خطوة بخطوة لتحويل المجتمعات إلى مساحات خضراء خادمة للإستعمار تبدأ بالمدينة، فالقرية، فالمخيم لتصل الى عزل كلي وتام للثوار حتى تقضي عليهم. ومن الأمثلة على ذلك المنطقة الخضراء في مدينة بغداد، ومدينة رام الله باعتبارها منطقة خضراء غير قادرة على إنتاج حركات مقاومة أو مقاومين، وهنا تأتي الحواجز الإسرائيلية التي تقام حولها كوسيلة لحماية المنطقة الخضراء من دخول المقاومين أو نشوء حركات مقاومة في داخلها.

لا تقف عقيدة مكافحة التمرد عند حدود تحويل المجتمع إلى متعاون معها، بل أنها تعمل بمنظومتها المعرفية المطوعة لخدمات البحث والابتكار على إيجاد وسط مناسب لتفكيك المنظومة الاجتماعية للمجتمعات المستعمرة وضرب العلاقات الاجتماعية داخل المجتمع، فهي تغذي وسائل الاختلاف بل تقف وراء وجود مشاكل اجتماعية داخل المجتمعات المستعمرة، فالاحتلال الأمريكي للعراق على سبيل المثال حاول وعمل على تفكيك البنى الاجتماعية للمجتمع العراقي من خلال إذكاء وخلق مشاكل طائفية وعرقية وتعامل مع العراق على انه وسط اجتماعي مليء بالمشاكل الطائفية وأججها ليحاول تفكك المجتمع ويجعل من مهمته في العراق أسهل وأقل ثمناً.

فكما يراها باترويس عندما يستشهد بالفيلسوف الروماني سينيك (عمليات مكافحة التمرد هي حروب تخاض على أنها حرب رجل يفكر) فهي عقيدة توظيف الأفكار وكل الإمكانيات للإجهاز على المجتمعات وتفكيكها والتخلص من كل من يقف في وجه المنظومة الاستعمارية. إلا أن هذه العقيدة واجهت ومازالت تواجه الحقيقة القاضية، بأن التمرد على الاستعمار ومقاومته عملية مستمرة ولا يمكن كبحها أو إيقافها ونفيها بالشكل التام، فمازالت حركات المقاومة في العراق وأفغانستان قائمة، ومازال الجيش الأمريكي يعاني بسببها خسائر مادية وبشرية.


Viewing all articles
Browse latest Browse all 9

Latest Images

Trending Articles





Latest Images